لحلقة 15:
سؤال: ما الفرق بين بني وأبناء في الآيات (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ (31) النور) و (لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55) الأحزاب)؟
استعمال بني وأبناء: بني (بنو بالرفع) أكثر من أبناء من حيث العدد. بنو آدم ليست مثل أبناء آدم، بني إسرائيل كثير، أبناء يعقوب أقل. بني أكثر من أبناء. أبناء هي من صيغ جموع القِلّة: أفعُل، أفعال، أفعلة، فُعلة. الفرق بين الآيتين لو لاحظنا آية النور التي فيها (بني) هذه في عموم المؤمنين، الخطاب لعموم المؤمنين والمؤمنات. بينما في آية الأحزاب الخطاب لنساء النبي r. في آية النور قال تعالى (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ) نساء المؤمنين كثير بني أخواتهن وبني إخوانهن فقال بني أخواتهن. أما في الأحزاب فالخطاب لنساء النبي r وهن قليلات بالنسبة لنساء المؤمنين فقال أبناء لأن أبناء أقل من بني وفي الكثير قال (بني) لأنها في عموم نساء المؤمنين وهذه طبيعة اللغة.
(بنو) ملحقة بجمع المذكر السالم (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) الشعراء). بنين حذفت النون للإضافة (بني آدم). فإذا أضيف المذكر السالم والمثنى تحذف النون فتصير بنو آدم وبني آدم.
سؤال: لماذا جاءت صافات ويقبضن في الآية (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) الملك)؟ لم يقل صافات وقابضات؟
أصل الطير للطيور صفّ الأجنحة والقبض حتى يتمكن من الصفّ. فالقبض طارئ والصفّ هو الأصل. والصفّ هو فرد جناحي الطير. الأصل في الطيران هو صفّ الأجنحة والقبض ليتمكن من الاحتفاظ بالتوازن فلما كان الصفّ هو الحالة الثابتة جاء بالصيغة الدالة على الثبوت وهو الإسم والإسم يدل على الثبوت ولما كانت الحالة طارئة وهي القبض جاء بالحالة الدالة على الحركة والتجدد وهو الفعل للدلالة على الحركة والتجدد. هذه حالة الطيران. إذا قال صافّات فقط هي ليست من دون قبض وهي تحتاج إلى القبض حتى تتمكن من الموازنة لكن القبض هو طارئ والصفّ هو الأصل الثابت لهذا قدّم صافّات أصلاً لأنه طيران. وصافات جاءت بالصيغة الثابتة للإسم للحالة الثابتة وجاء بالصيغة المتجددة الدالة على الحدوث للحالة المتجددة فناسب بين الحالة والصيغة.
سؤال: ما دلالة أن يعود الضمير على واحد (يرضوه) فقط في الآية (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ (62) التوبة) ولم يقل يرضوهما بما أنه ذكر الله ورسوله؟
ليستا جهتين متباينتين، من أرضى الرسول r فقد أرضى الله سبحانه وتعالى ومن أرضى الله تعالى فقد أرضى الرسول r وقد قال تعالى (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ (80) النساء) ليستا جهتين كل واحدة تحتاج لإرضاء، هي جهة واحدة: إرضاء الله تعالى من إرضاء الرسول r لأنه قال من أطاع الرسول فقد أطاع الله فإذا أطعت الرسول r وأرضيته تكون قد أرضيت الله تعالى. أحياناً يقال لك إرضي فلان وارضي فلان وكل واحد له مطلب لكن هنا الحالة واحدة، الحالة الأساسية هي إرضاء الله تعالى. والضمير في (يرضوه) الأظهر أنه للرسول r لأنه قال (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ) يذهبون إلى الرسول r فبدل أن يحلفوا للمؤمنين ويرضوهم إذهبوا إلى الرسول r وارضوه فإذا رضي الرسول r فقد رضي الله سبحانه وتعالى. فيقول للمنافقين بدل أن تذهبوا للمؤمنين حتى يرضوا اذهبوا إلى الرسول وأرضوه. ما دام علمنا أن إرضاء أي واحد منهما هو إرضاء للآخر فلا يضير أن يعود الضمير على من. ما دام إرضاء أي واحد منهما يرضي الآخر. لم يذكر واحداً فقط لأن الرسول r ليس جهة مستقلة عن الله تعالى وإرضاء الله تعالى هو الأول فلا بد أن يذكر الله تعالى فكيف نرضي الله تعالى؟ نرضي الرسول r. إرضاء الله تعالى هو الأول جعلهما جهة واحدة وليستا جهتين متباينتين مختلفتين. لو قال يرضوهما تدل على أن كل واحد له مطلب وكل واحد يجب إرضاؤه وقد تتعارض الإرادتان. هنا الجهتان واحدة إذا أرضيت إحداهما فقد أرضيت الأخرى. هو إرضاء واحد إذا أرضيت الرسول r فقد أرضيت الله تعالى وإذا أرضيت الله هذا إرضاء للرسول r.
سؤال: ما الفرق بين النزغ والوسوسة في الآيات (مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي (100) يوسف) و (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا (20) الأعراف)؟
من حيث اللغة النزغ هو الإفساد بين الأصدقاء تحديداً، بين الإخوان، بين الناس (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ (36) فصلت) النزغ هو أن يحمل بعضهم على بعض بإفساد بينهم، هذا هو النزغ في اللغة، أن يغري بعضهم ببعض ويفسد بينهم. الوسوسة شيء آخر وهي عامة، يزين له أمر، يفعل معصية، يزين له معصية، الوسوسة عامة والنزغ خاص بأن يحمل بعضهم على بعض وأن يفسد بينهما. قال تعالى (مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي (100) يوسف)، لم يقل وسوس. مع آدم وحواء لم يكن هناك خصومة بينهما لكن مع إخوة يوسف كان هناك خصومة فقد حاولوا أن يقتلوا يوسف، أفسد بينهم، أغروا به حتى أفسدوا. الوسوسة عامة لأنه يدخل فيها النزغ. هنا (مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي (100) يوسف) (نزغ الشيطان) الحالة الخاصة للحالة الخاصة وهذه الحالة هي هكذا بين يوسف وإخوته، هذا هو المعنى اللغوي. يقولون أصل الوسوسة الصوت الخفي ويكون مسموعاً أحياناً وأحياناً يكون غير مسموع (الذي يوسوس في صدور الناس) أحياناً لا يُسمع وإنما يبقيه الشيطان في نفس الإنسان (من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس) والصدر هو الممر إلى القلب فإذا وسوس في الصدر الشيطان يريد أن يملأ الساحة بالألغام كما يفعل الأعداء في الحرب. وقد تكون الوسوسة بالكلام المسموع، همس أو كلام خفي بينك وبين أحد بدليل أنه لما وسوس إبليس لآدم كان كلاماً باللسان (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120) طه) سماها القرآن وسوسة ثم قال (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) الأعراف) قاسمهما أي حلف لهما بالله ولذلك لما رب العالمين عاتب آدم قال آدم: يا رب ما كنت أظن أحداً يحلف بك كاذباً. الوسوسة إذن تكون في الصوت المسموع أحياناً وبالصوت غير المسموع أحياناً.
سؤال من المقدم: كلمة وسوس فيها هدوء وخفية وفيها تكرار مقطع (وس/وس) فهل هي مرتبطة بكلام سيئ أو خبيث؟ هكذا يبدو من استعمالها لماذا لا يظهر هذا الكلام إلا إذا كان هناك ما يريد أن يخفيه عن الآخرين؟.
سؤال: ما اللمسة البيانية في الآية (قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) الأعراف)؟
لو يسأل السائل سؤالاً محدداً في الآية. أولاً للعلم أن القرآن لم يستعمل مضارعاً للفعل جاء ولم يستخدم إلا الفعل الماضي (جيء، جاء) لم يستعمل لا فعلاً مضارعاً لجاء ولا فعل أمر ولا إسم مفعول ولا إسم فاعل. إذا أراد أن يستخدم مضارعاً يستعمل الفعل يأتي. يقولون المجيء بمعنى الإتيان لكن الإتيان أيسر من المجيء ويستعمل لما هو أيسر وجاء يستعمل لما هو أصعب. لا نتوقع أن يأتي مضارع يجيء لأن القرآن لم يستعمل مضارع جاء. إذا كان كما يقول قسم من أهل اللغة أن المجيء فيه صعوبة والإتيان لما هو أيسر وأسهل فعند ذلك هل ما وقع أسهل أو ما لم يقع؟ إذا لم يقع أسهل وما وقع أصعب فـ (جاء) لما وقع و (يأتي) لما لم يقع. فرق بين الماضي والمضارع، جئتنا ماضي وتأتينا مضارع. هذا عموم استعمال جاء ويأتي وهذا لم يقع بعد فيكون أيسر، هذا من حيث جاء ويجيء ويأتي.
تبقى الآية نفسها عندنا فيها أمران: استعمل الماضي للفعل (جاء) في (من بعد ما جئتنا) جئتنا فعل ماضي و(تأتينا) فعل مضارع والقرآن لا يستعمل مضارع جاء وإنما قال (تأتينا). هذا أمر. ولم يستعمل فعل أتى بالماضى لأن هذا عذاب وإيذاء وقلنا المجيء لما هو أصعب من الإتيان فقال أوذينا من قبل ما جئتنا وهذا طبيعي في الاستخدام.
يبقى استعمال (أن) و (ما): ما قال من بعد أن جئتنا وإنما قال (من بعد ما جئتنا) فعل الماضي يأتي بعد (أن) في اللغة كما جاء في قوله (مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي (100) يوسف)، (مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (24) الفتح). لماذا هنا استخدم (ما) وهنا استخدم (أن)؟ (من بعد ما جئتنا) (ما) هذه تحتمل معنيين في اللغة هنا: الأول المصدرية والثانية الموصولة. هنا توسع في المعنى وتحتمل الأمرين.هي مصدرية بمعنى (الذي) أي من بعد الذي جئتنا به وهو الرسالة. إذن تحتمل أمرين معنيين: من بعد مجيئه هو شخصياً ومن بعد الذي جاء به من الرسالة ولذلك ما قال من بعد أن جئتنا به لتشمل المعنيين ولو قال من بعد أن جئتنا تكون تعني الموصولة لأنه يصير عائد. فهنا (ما جئتنا) ذكر أمرين لأنه كان مجيئه بالرسالة ومجئيه هو، فجمع معنيين هنا وهذا من باب التوسع في المعنى.
الفرق بين ما المصدرية وما الموصولة: السياق يحددها لكن هنالك أمر يقطع: إذا كان موجود عائد وهو الضمير الذي يعود على الإسم الموصول يقطع هذا بأنها إسم موصول. في حالة عدم وجود العائد نبحث عن المعنى هل يحتمل المصدرية أو الموصولة. (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (23) الأحزاب) (ما) هنا إسم موصول أي صدقوا الذي عاهدوا الله عليه. لو حذف في غير القرآن (عليه) لو قال: صدقوا ما عاهدوا الله يكون صدقوا عهد الله نفسه والعهد الذي عاهدوا عليه. (المزيد في باب التوسع في المعنى يمكن الرجوع إليه في كتابي الجملة العربية والمعنى).
استطراد من المقدم: إذا كان كفار مكة آنذاك فهموا العربية ولم يؤمنوا بالقرآن ونحن نؤمن بالقرآن ولا نفهم العربية ألهذه الدرجة تنحدر لغتنا العربية؟
لم تبقى لنا سليقة لأن اللغة العربية منذ زمن بعيد دخلت أقوام وصار اختلاط ألسنة وصارت اللغة تضمحل شيئاً فشيئاً وتحلّ محلها اللهجات العامية ثم هناك من يدفع لإشاعة اللهجات العامية ومحاربة اللغة العربية لأسباب كثيرة وكل جهة لها غرض لمحاربة العربية وخاصة لارتباطها بالقرآن الكريم ولم يبقى عربية في التعليم والمدارس إلا أشياء محدودة وضئيلة جداً. كان العرب يفهمون العربية لأن هذه كانت لغة العرب آنذاك يتحدثون بها. وحتى نعيد العربية إلى سليقتنا نحن نحتاج إلى جهود متضافرة وليس جهد شخص إنما جهد حكومات وجمعيات للغة العربية تكون جادّة وضرورة إفهام الناس بضرورة هذه اللغة وأنه إذا ضاعت هذه اللغة ضاع وجودهم وهنالك عدة أمور يجب أن يفهمها الناس للحفاظ على لغتهم والاعتزاز بها. واللغة العربية عجيبة وهي بالنسبة للغات الأخرى كأنها جهاز متطور ذو تقنية عالية جداً واللغات الأخرى الشائعة الآن لا تستطيع أن تعبّر عن المعاني. لو قلنا مثلاً: أعطى محمد خالداً كتاباً يقابلها في الانجليزية Mohamed gave khaled a book ولو قلنا محمد أعطى كتاباً خالداً، خالداً كتاباً أعطى محمد، وغيرها ذكرناها سابقاً، حوالي 8 جمل كل واحدة لها معنى خاص دقيق ومعناها العام هو نفسه. عندما نضع الفعل والفاعل والمفعول الأول والمفعول الثاني على الترتيب تقولها والمخاطَب خالي الذهن ليس عنده أي معلومة عن الحادث فأنت تعطيه معلومة جديدة. عندما أقول: محمد أعطى خالداً كتاباً المخاطَب يعلم أن شخصاً ما أعطى خالداً كتاباً لكن لا يعلم الشخص المعطي فكأنه يسأل من أعطى خالداً كتاباً؟ محمد. إذا قلنا: خالداً أعطى محمد كتاباً المخاطَب يعلم أن محمداً أعطى كتاباً لكن لا يعلم لمن أعطاه فكأنه يسأل لمن أعطى محمد كتاباً؟ خالداً. لو قلنا: كتاباً أعطى محمد خالداً المخاطب يعلم أن محمداً أعطى خالداً شيئاً لكن لا يعلم ما هو؟ لو قلنا: خالداً كتاباً أعطى محمد المخاطَب يعلم أن محمد أعطى شيئاً ما لشخص ما فتقدمهما على العامل حتى يكون هذا المعنى. ولو قلنا: خالداً كتاباً محمد أعطى المخاطب يعلم أن شخصاً ما أعطى شيئاً ما لشخص ما، هناك عطاء لكن لا يعرف من أعطى وماذا أعطى ولمن أعطى؟ هذه التراكيب كلها تصح نحوياً. لو قدمنا فقط على الفاعل كل واحدة لها معنى. أحياناً عندنا 25 جملة في العربية أو أكثر كل واحدة لها معنى يقابلها جملة واحدة في اللغات الأخرى. هذه الجمل موجودة في الحياة كيف نعبّر عنها؟ وهذه تدخل في البلاغة والأهمية.
سؤال: ما الفرق في استخدام كلمة الأنعام في الآيات في سورة الحج (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)) (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)) (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (34))؟
قسم من اللغويين فرّق بين بهمية الأنعام فقالوا بهيمة الأنعام ما أُلحِق بالأنعام. الأنعام هي البقر والغنم والمعز والإبل (ثمانية أزواج). البهيمة من ذوات الأرواح، ما لا عقل له، تسمى بهائم. البهيمة أعمّ والأنعام جزء منها. البهيمة كل ما له روح ولا عقل له حتى الوحوش والأنعام بهائم. فكلمة بهيمة أعمّ. (بهيمة الأنعام) عندنا عموم وخصوص، (بهيمة الأنعام) قسم من أهل اللغة قالوا هي ما ماثل الأنعام وأدخلوا بها الظباء وبقر الوحش (ألحقوها إلحاقاً) هي مما يؤكل فقالوا هذه من المُلحَق وكل مجترّ قالوا يدخل في بهيمة الأنعام. كل ما يماثل الأنعام في الاجترار وعدم الأنياب قالوا هو بهيمة الأنعام وليس الأنعام، يعني الظباء بهيمة الأنعام، بقر الوحش بهيمة الأنعام، كل ما يجترّ وليس له ناب مما يؤكل دخل في بهيمة الأنعام.
وهنالك أمر آخر من حيث اللغة في رأيي: بهمية الأنعام إضافة العام (البهيمة) إلى الخاص (الأنعام) كما نقول يوم الخميس: اليوم عام والخميس خاص، شهر ورمضان الشهر عام ورمضان خاص، كتاب النحو، علم الفقه، شجر الأراك، إضافة العام إلى الخاص وهذا من أساليب العربية وموجود في القرآن (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) هذا من إضافة العام إلى الخاص. لماذا ورد هنا؟ لماذا أضاف هنا العام إلى الخاص؟ نرجع للآيات التي ذكرها قال تعالى (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) الحج) وآية أخرى مشابهة لها (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (34) الحج) هو يتكلم عن أيام الحج، ذِكر الله وذِكر أسماء الله في أيام الحج فقط على هذه أو عام؟ هو ذِكر عام ليس فقط على بهيمة الأنعام وإنما الذكر في الحج أمر شائع (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ (198) البقرة) (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا (200) البقرة) (وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ (203) البقرة) وقال هنا (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) تحديداً فأضاف عاماً إلى خاص، هذه حالة خاصة. الذكر عامٌّ في الحج وذكر الله عامّ في الحج وهنا قال (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) إذن هذا خاص بعد عامّ. العامّ ذكر الله والخاص (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) إذن هنا جاء بأمر عام بعده خاص. ذِكر اسم الله عامّ، على ما رزقهم خاص لأن ذكر الله في أيام الحج هو عامّ. لكنه في الآية ذكر (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) الحج) إذن ذكر خاصاً بعد عام وبهيمة الأنعام خاصٌ بعد عامّ. نفسها الآية الأخرى (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (34) الحج) ذِكر اسم الله عام وهو قال (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) صار خاصاً. خاص بعد عامّ وبهمية الأنعام خاص بعد عامّ.
لكن لما ذكر الأنعام (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)) ليس فيها ذكر ولا شيء لأن الكلام في الأنعام تحديداً. أما في الأولى (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) خاص بعد عام وكل خاص بعد عامّ جاء (بهمية الأنعام) خاص بعد عامّ. هذه مناسبة فنية عجيبة في اللغة وهذا من باب التناسب.
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 5/4/2007م:
ما إعراب (منهم) في الآية (وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) القصص) وما دلالة وجودها في الآية؟ من المقصود بـ (منهم)؟
لماذا جاءت كلمة (واستوى) مع موسى u في الآية (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) القصص) بينما لم ترد مع يوسف u (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) يوسف)؟ (سبق أن أجيب عن هذا السؤال في الحلقة السادسة)
(وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ (63) الكهف) (فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ (42) يوسف) في الآيتين يربط النسيان بالشيطان فهل هذه من مسلمات الحياة؟
كيف تقرأ (لا تأمنا على يوسف)؟ وهل عرفت القبائل هذه القراءة بهذه الطريقة؟
ما دلالة ذكر وحذف الياء في (فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي (150) البقرة) و (فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ (3) المائدة)؟