في مؤتمر صحافي أمام الرئيس المصري حسني مبارك يوم الأحد الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) وزع ثعلب السياسة الإسرائيلية شمعون بيريس شهادات حسن السلوك على بعض المسؤولين العرب فكان نصيب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الحصة الأكبر. راح الرجل يتغزل بمصداقية عباس وصدق نواياه والتزامه بالعملية السلمية والمفاوضات سبيلا وحيدا للتسوية.
شهادة يستحقها أبو مازن عن جدارة فقد عمل طيلة حياته للوصول إلى هذا المستوى الرفيع من القيادة حيث استطاع اقتناص إعجاب القيادة الإسرائيلية ومن ورائها الأمريكية. وليس غريبا أن يحصل عباس على هذه الجائزة بعد أن استطاع خلال خمس سنوات أن يحـّيد الشعب الفلسطيني المقهور والغاضب والمتمرد في الضفة الغربية ويدجنه (ولو مؤقتا) لدرجة أن تضامنه مع المذابح في غزة جاء خافتا وفاترا وأقرب إلى مظاهرات أنصار حقوق الدولفين واحتجاجات جماعات الرافضين لصيد الثعالب والغزلان.
عباس يستحق هذه الشهادة بامتياز لأنه مهندس أوسلو الذي أعفا سلطات الاحتلال من مسؤولياتها القانونية وحوّل الأوضاع في الأراضي المحتلة إلى حالة فريدة من نوعها في التاريخ: احتلال إسرائيلي على الأرض دون مسؤولية ودولة فلسطينية في الوهم دون حقوق. أوسلو التي أطلقت قوات الاحتلال تمارس القمع والقتل والاعتقال بالتعاون مع قوات الأمن الفلسطيني التي تمارس دورها أيضا في الاعتقال والتعذيب وتسهيل حركة قوات الأمن الإسرائيلية. أوسلو التي ثبتت حقوق الإسرائيليين وساومت على كل حقوق الفلسطينيين، فلا الدولة قامت ولا الاحتلال انتهى ولا السجون أغلقت ولا الاستيطان تباطأ أو تعطل ولا رقعة الأرض الصغيرة حافظت على حدودها ولا المياه تدفقت في شرايين الناس العطشى.
عباس يستحق هذه الشهادة، ففي عهده الزاهر تضاعف حجم الاستيطان وتوسعت الطرق الالتفافية ووصل أعداد المعتقلين إلى أرقام خيالية لم تصلها من قبل.
وفي سنوات رئاسته العامرة تمتع الشعب الفلسطيني بحرية الحركة والتنقل والعمل لولا 620 حاجزا لعينا يسيم أبناء الغلابى والفلاحين والطلاب كل أنواع الإذلال ولكنها لا تسيء أبدا إلى حملة بطاقة الفي أي بي..
وفي عهده الزاهر أحيلت مسؤولية تدريب قوات الأمن إلى الجنرال دايتون الذي عزز مفهوم المهنية العالية والتي تعني مكافحة الشغب وتوجيه العصي (والرصاص إن لزم الأمر) إلى صدور'المخلين بالأمن' من الفلسطينيين الحالمين والغاضبين من أبناء الأمعري وبلاطة والدهيشة والفوار وجنين وقلندية.
وعباس يستحق هذه الشهادة لأن عهده السعيد شهد انقسام الساحة الفلسطينية انقساما حادا لم تستطع كل الوساطات والاتفاقات رتقه، وتم عزل الذين فازوا بالانتخابات تصحيحا لخطأ ارتكبه الشعب الفلسطيني 'اللئيم' بانتخاب الفئة التي لا تستحق أن تنتخب. فاستطاع بمعونة أبرام إليوت الترتيب للتحلل من نتائج الانتخابات التشريعية وعزل تلك المجموعة في القطاع لتـنهمر على رؤوسهم ورؤوس من انتخبهم أمطار من الفوسفور عقابا على فعلتهم المشينة تلك.
أبو مازن يستحق هذه الشهادة من قائد مجزرة قانا لأن في عهده الرغيد أصبحت المقاومة عبثية وحقيرة والمقذوفات البدائية أصبحت ألعابا نارية وصواريخ كرتونية والمفاوضات السبيل 'الشرعــي والوحيد' لتحقيق قيام الدولة الفلسطينية.
في عهده العامر بالخير والرخاء اختصرت المطالب الفلسطينية إلى 'تجميد الاستيطان' للعودة إلى المفاوضات على طريقة شامير' 'فاوض ثم فاوض ثم فاوض' بينما تقوم الجرافات ببناء المستوطنات أو تسمينها وهدم أحياء الفلسطينيين في القدس وسلوان والعيزرية والعيسوية والشيخ جراح وأبو غنيم وغيرها. واستطاع أبو مازن أن 'يروض' الشعب الفـلسطيني على ألاّ يكون طماعا ويراود خياله الواسع فكرة تفكيك المستوطنات وإعادة اللاجئين والانسحاب من القدس الشرقية لا سمح الله.
في عهده الزاهر عقدت فتح مؤتمرها السادس في بيت لحم 'المحررة' رغم أنف إسرائيل وأقر المؤتمر العتيد خيار المقاومة، وخشبة كبيرة في عين الحاسدين من 'الانقلابيين' وأمثالهم الذين ظنوا أن حركة فتح التاريخية تخلت عن الكفاح المسلح، ومن لا يصدق فليتأمل رجال الأمن الميامين الذين انتـُخبوا بكل نزاهة وشفافية أعضاء في اللجنة المركزية لإدارة دفة هذا النوع من الكفاح.
ولا ننسى في عهده الرشيد كيف استمتع الغزاويون بالهروب الإسرائيلي من القطاع في آب (أغسطس) عام 2005، حيث فككت المستوطنات ومارس الناس كافة حرياتهم ورفع الحصار برا وبحرا وجوا وفتحت المعابر وانتهت سنوات الاحتلال واستمتع أطفال غزة بنوم هادئ لا يزعجهم أزيز أو دويّ أو لعلعة.
تعداد الخيرات والفضائل والامتيازات التي شهدتها البلاد في عهده الميمون لا حصر لها. ولا عجب أن انطلقت المظاهرات الصاخبة في كل فلسطين ومناطق الشتات تتمنى عليه أن يتراجع عن فكرة عدم الترشح مرة ثانية في الانتخابات القادمة التي قررها هو. فكيف يمكن أن تساوره مثل هذه الفكرة الشريرة بعدم الترشح لدورة ثانية ليترك الشعب الفلسطيني كاليتيم بدون قيادة تاريخية.
بعد سنوات الخير الخمس الماضية وما وصل إليه الشعب الفلسطيني من رخاء وعزة وكرامة ووحدة وحكم رشيد خال من أي فساد أو محسوبيات ووطن حر معافى يسهر على أمنه رجال 'أشداء على الأعداء رحماء فيما بينهم'، نعلن تأييدنا لشهادة شمعون بــيريس التي منحها لأبي مازن ونتمنى عليه أن يرشحه لجائزة نوبل للسلام ليكون الفلسطيني الثاني الذي يستحق هذه الجائزة الرفيعة. فنوبل الأولى كانت ثمن التنازل عن 78 بالمائة من فلسطين ونوبل القادمة ستكون ثمن التنازل عن البقية الباقية من الرقع الصغيرة والمعازل المتناثرة التي ما زالت تجمع داخلها هؤلاء 'الفلسطينيين الغرباء' الذين يعكرون نقاء يهودية الدولة.
النشاط
السٌّمعَة
الثلاثاء ديسمبر 01, 2009 9:03 am
